تعتبر عملية التوازن في التنمية بين قطاعات العمران الحضري في جميع الإتجاهات من أصعب الممارسات الإدارية المحلية وتتمثل هذه الصعوبة في مرحلة السياسة وإتخاذ القرار وتتضح أكثر على مستوى التنفيذ، لذلك يتطلب الأمر توفير رصد دائم لسير عملية التنمية الحضرية في جميع جوانبها العمرانية والإقتصادية والبيئية و يتطلب هذا الرصد حجم كبير من المعلومات والإحصاءات ليتم تحليلها وإستنتاج مجموعة من المؤشرات لعرضها على متخذ القرار الذي يهدف دائماً لتحقيق التنمية الحضرية المستدامة التي توفر حياة جيدة للمواطن، ويعتبر هذا هو الهدف من فكرة إنشاء المرصد الحضري ووضع آلية لمتخذ القرار لرؤية المشاكل التي تعاني منها المدينة بصورة واضحة ومحددة يمكن من خلالها وضع السياسات بصورة مناسبة.
ولإستمرارية دعم متخذي القرار بالمؤشرات السليمة يتطلب ذلك قدراً من البيانات القابلة للتحليل والتي يتم تحديثها بشكل دوري، كما يجب أن يتوافر في هذه البيانات الشروط الأساسية لتحقيق جدواها ونفعها بما ينعكس على صحة التحليل وصواب القرار فيجب أن يكون البيان دقيقاً وسليماً ومعلوم المصدر بشكل يمكن توثيقه والإعتماد عليه، كما أنه يجب أن يلائم البيان وطبيعته نوع التحليل المطلوب، بالإضافة إلى الحصول على البيان في الوقت المطلوب حتى يمكن الإستفادة منه.
والحصول على بيانات بهذه الشروط ليس بالأمر السهل، ومن أجل ذلك كانت الدعوات الدولية المتكررة لجميع دول العالم بضرورة إنشاء المراصد الحضرية سواءً الإقليمية أو الوطنية أو المحلية والتي تتولى القيام بمهام رصد الظواهر الحضرية وقياسها باستخدام مصادر البيانات المتاحة، بالإضافة لإستحداث بعض الآليات التي تمكن من الحصول على البيانات المطلوبة بقدر مقبول من الكفاءة مثل المسوح الميدانية أو التنسيق والشراكة مع مصادر البيانات المختلفة (جهات حكومية – مجتمع مدني – قطاع خاص) وذلك لتحضير البيانات المطلوبة بالشكل الذي يمكن معه إنتاج مؤشرات الرصد الحضري.
وتتسم علاقة المرصد بشركاء التنمية بالتشاركية والتكامل لتعزيز دور المرصد في وضع آليات وبرامج عمل تفيد المجتمع وإدارة التنمية، كما تدعم المشاركة المداخل الرئيسية لرفع كفاءة نظم دعم صناعة القرار وفاعلية تنفيذه. ومع التطور السريع للعمران وإحتياج الإدارات الحكومية وباقي الشركاء للمعرفة الحضرية للمؤشرات اللازمة لمواكبة هذا التطور والذي يشمل مختلف القطاعات (الإقتصادية والإجتماعية والعمرانية ... إلخ) أصبح لزاماً على الإدارات الحكومية أن ترسم لصاحب القرار الصورة الحقيقية الدقيقة للعمران، وأن توفر له القدرة على رؤية التطور والإنجاز بصورة يمكن بها مقارنة الوضع الراهن بالسابق وبالوضع المستهدف، وبذلك يستطيع أن يقرر سياسة مبنية على مؤشرات تنموية ومعرفة حضرية شاملة.
وقد كان لرعاية صاحب السمو الملكي الأمير / فيصل بن نواف بن عبد العزيز أمير منطقة الجوف رئيس المجلس الرئيسي للمرصد الحضري المحلي لمنطقة الجوف, وسعادة المهندس /عاطف بن محمد الشرعان أمين منطقة الجوف , نائب رئيس مجلس المرصد دوراً كبيراً في دعم المرصد الحضري المحلي لمنطقة الجوف ودفع عجلة العمل فيه , كما كان لشركاء التنمية بالمرصد الحضري من إدارات حكومية ومؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص الأثر الفعال في النجاح الذي حققه المرصد خلال دوراته الثلاثة .
وقد تمكن المرصد الحضري بمنطقة الجوف ( بفضل الله وتوفيقه) وبدعم من صاحب السمو الملكي أمير المنطقة ، بإصدار نتائج أول دورة للمرصد الحضري عام 1436 هـ لكل من مدينتي سكاكا و دومة الجندل وتم إنتاج عدد 137 مؤشرا فيها .وبناء على توجيهات سموه، واصلت أمانة منطقة الجوف إستكمال منظومة الرصد لتشمل كافة المدن ( سكاكا ، دومة الجندل، القريات ، طبرجل ) كمرحلة ثانية ترتكز على الاستفادة من التجربة السابقة للمرصد - وكذلك تجارب المراصد الحضرية الاخرى داخل وخارج المملكة - سواء على مستوى التحليل أو التقييم العام لحالة التنمية الحضرية أو كيفية صياغة مخرجات المرصد الحضري لدعم وتمكين صانعي القرار على المستويات المختلفة وتم إنتاج عدد 191 مؤشرا في دورته الثانية لعامي 1439 هـ - 1440 هـ وإستكمل دورته الثالثة بعمل مسح اجتماعي اقتصادي للأسر في مدن منطقة الجوف بواقع 6000 أسرة كعينة وتم إنتاج في نهاية الدورة الثالثة عدد 239 مؤشرا لعامي 1441هـ -1442 هـ .
وفي كل دورة من دورات المرصد الحضري يتم تحليل نتائج المؤشرات والتقييم العام لحالة التنمية وتقديم الإقتراحات الأولية للمبادرات والسياسات لدعم عملية صناعة القرار وهم ما يستهدفون بصفة أساسية الى تكوين صورة بانورامية متكاملة عن حالة التنمية من خلال التحليل المتعدد الأبعاد للظواهر الإجتماعية و الإقتصادية والعمرانية المختلفة وتداخلاتها وتفاعلاتها وطرح التساؤالت عن الفجوات المعرفية الموجودة، ومن ثم تحديد مدى إقتراب أو إبتعاد حالة المنظومة الحضرية عن مستهدفات التنمية، من منظور كلي متكامل لحالة المجتمع والتنمية.
أن التحديد الواضح للمشاكل والتحديات، ومن ثم وضوح مسارات العمل المطلوبة، وليس بالضرورة التوجيه المباشر لعملية صناعة القرار، وذلك بناءً على يقين قوي ودروس مستفادة أن الدور والوظيفة الأساسية للمراصد الحضرية هو دعم عملية صناعة القرار من خلال إلقاء الضوء على حالة الواقع ومشاكله، ورفع مستوى الوعي بطبيعة ونوعية المشاكل – تشابكاتها وأسبابها - ودق أجراس التنبيه، و ليس بالضرورة صناعة أو تجهيز القرار في شكله النهائي ومن زاوية أخرى فإن مخرجات المرصد الحضري، بالإضافة لرسالته الأساسية لدعم عمليات صناعة القرار، فإنه يمكن أن تشكل رسالة معلوماتية وتعليمية هامة لكل الأطراف المجتمعية، المعنية وصاحبة المصلحة، متضمنة القطاع الخاص وتنظيماته التخصصية المختلفة، وكذلك مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، متضمنة المؤسسات التطوعية وغير الهادفة للربح...الخ، باعتبارهم شركاء أساسيون في عملية التنمية، و مشاركون في فعالياتها المختلفة، وعلى مستويات ودرجات مختلفة. وهو ما يمكن أن يسهم في بناء "وعي مشترك" يساعد في توظيف كل الجهود والمدخلات – من خلال رؤية مشتركة - لتحقيق مستويات أعلى من التنمية الحضرية.